فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (8):

{ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8)}
قرأ حفص وحمزة والكسائي {ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ} واختاره أبو عبيد. وقرأ أبو بكر والمفضل {ما تنزل الملائكة}. الباقون {ما تنزل الملائكة} وتقديره: ما تتنزل بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا، وقد شدد التاء البز ي، واختاره أبو حاتم اعتبارا بقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ}. ومعنى {إِلَّا بِالْحَقِّ} إلا بالقرآن.
وقيل: بالرسالة، عن مجاهد.
وقال الحسن: إلا بالعذاب إن لم يؤمنوا. {وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ} أي لو تنزلت الملائكة بإهلاكهم لما أمهلوا ولا قبلت لهم توبة.
وقيل: المعنى لو تنزلت الملائكة تشهد لك فكفروا بعد ذلك لم ينظروا. واصل {إِذاً} إذ أن- ومعناه حينئذ- فضم إليها أن، واستثقلوا الهمزة فحذفوها.

.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)}
قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} يعني القرآن. {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} من أن يزاد فيه أو ينقص منه. قال قتادة وثابت البناني: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلا أو تنقص منه حقا، فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا، وقال في غيره: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا}، فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا. أنبأنا الشيخ الفقيه الامام أبو القاسم عبد الله عن أبيه الشيخ الفقيه الامام المحدث أبى الحسن علي بن خلف بن معزوز الكومى التلمسانى قال: قرئ على الشيخة العالمة فخر النساء شهده بنت أبى نصر أحمد بن الفرج الدينوري وذلك بمنزلها بدار السلام في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وستين وخمسمائة، قيل لها: أخبركم الشيخ الأجل العامل نقيب النقباء أبو الفوارس طراد بن محمد الزيني قراءة عليه وأنت تسمعين سنة تسعين وأربعمائة، أخبرنا علي بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا أبو على عيسى بن محمد بن أحمد ابن عمر بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المعروف بالطومارى حدثنا الحسين بن فهم قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: كان للمأمون- وهو أمير إذ ذاك- مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده. فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت مع ما تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت منى، وعمدت إلى الإنجيل فكتب ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت منى، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي. قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله عز وجل. قال قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ}، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع.
وقيل: {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} أي لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن يتقول علينا أو نتقول عليه. أو {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} من أن يكاد أو يقتل. نظيره {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. و{نَحْنُ} يجوز أن يكون موضعه رفعا بالابتداء و{نَزَّلْنَا} الخبر. والجملة خبر {إن}. ويجوز أن يكون {نَحْنُ} تأكيدا لاسم {إن} في موضع نصب، ولا تكون فاصلة لان الذي بعدها ليس بمعرفة وإنما هو جملة، والجمل تكون نعوتا للنكرات فحكمها حكم النكرات.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)}
المعنى: ولقد أرسلنا من قبلك رسلا، فحذف. والشيع جمع شيعة وهى الامة، أي في أممهم، قاله ابن عباس وقتادة. الحسن: في فرقهم. والشيعة: الفرقة والطائفة من الناس المتآلفة المتفقة الكلمة. فكأن الشيع الفرق، ومنه قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}. وأصله مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار يوقد به الكبار- كما تقدم في الأنعام.- وقال الكلبي: إن الشيع هنا القرى.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)}
تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي كما فعل بك هؤلاء المشركون فكذلك فعل بمن قبلك من الرسل.

.تفسير الآيات (12- 13):

{كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)}
قوله تعالى: {كَذلِكَ نَسْلُكُهُ} أي الضلال والكفر والاستهزاء والشرك. {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} من قومك، عن الحسن وقتادة وغيرهما. أي كما سلكناه في قلوب من تقدم من شيع الأولين كذلك نسلكه في قلوب مشركي قومك حتى لا يؤمنوا بك، كما لم يؤمن من قبلهم برسلهم.
وروى ابن جريج عن مجاهد قال: نسلك التكذيب. والسلك: إدخال الشيء في الشيء كإدخال الخيط في المخيط. يقال: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، أسلكه إسلاكا. وسلك الطريق سلوكا وسلكا وأسلكه دخله، والشيء في غيره مثله، والشيء كذلك والرمح، والخيط في الجوهر، كله فعل وأفعل.
وقال عدى بن زيد:
وقد سلكوك في يوم عصيب

والسلك بالكسر الخيط. وفى الآية رد على القدرية والمعتزلة.
وقيل: المعنى نسلك القرآن في قلوبهم فيكذبون به.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة القول الذي عليه أكثر أهل التفسير، وهو ألزم حجة على المعتزلة. وعن الحسن أيضا: نسلك الذكر إلزاما للحجة، ذكره الغزنوي. {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} أي مضت سنة الله بإهلاك الكفار، فما أقرب هؤلاء من الهلاك.
وقيل: {خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} بمثل ما فعل هؤلاء من التكذيب والكفر، فهم يقتدون بأولئك.

.تفسير الآيات (14- 15):

{وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
يقال: ظل يفعل كذا، أي يفعله بالنهار. والمصدر الظلول. أي لو أجيبوا إلى ما اقترحوا من الآيات لاصروا على الكفر وتعللوا بالخيالات، كما قالوا للقرآن المعجز: إنه سحر. {يَعْرُجُونَ} من عرج يعرج أي صعد. والمعارج المصاعد. أي لو صعدوا إلى السماء وشاهدوا الملكوت والملائكة لاصروا على الكفر، عن الحسن وغيره.
وقيل: الضمير في {عَلَيْهِمْ} للمشركين. وفى {فَظَلُّوا} للملائكة، تذهب وتجيء أي لو كشف لهؤلاء حتى يعاينوا أبوابا في السماء تصعد فيها الملائكة وتنزل لقالوا: رأينا بأبصارنا ما لا حقيقة له، عن ابن عباس وقتادة. ومعنى {سُكِّرَتْ} سدت بالسحر، قاله ابن عباس والضحاك.
وقال الحسن: سحرت. الكلبي: أغشيت أبصارنا، وعنه أيضا عميت. قتادة: أخذت.
وقال المؤرج: دير بنا، من الدوران، أي صارت أبصارنا سكرى. جويبر: خدعت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: {سُكِّرَتْ} غشيت وغطيت. ومنه قول الشاعر:
وطلعت شمس عليها مغفر ** وجعلت عين الحرور تسكر

وقال مجاهد: {سُكِّرَتْ} حبست. ومنه قول أوس بن حجر:
فصرت على ليلة ساهرة ** فليست بطلق ولا ساكره

قلت: وهذه أقوال متقاربة يجمعها قولك: منعت. قال ابن عزيز: {سُكِّرَتْ أَبْصارُنا} سدت أبصارنا، هو من قولك، سكرت النهر إذا سددته. ويقال: هو من سكر الشراب، كأن العين يلحقها ما يلحق الشارب إذا سكر. وقرأ ابن كثير {سكرت} بالتخفيف. والباقون بالتشديد. قال ابن الاعرابي: سكرت ملئت. قال المهدوي: والتخفيف والتشديد في {سُكِّرَتْ} ظاهران، التشديد للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه. والمعروف أن {سكر} لا يتعدى. قال أبو على: يجوز أن يكون سمع متعديا في البصر. ومن قرأ {سكرت} فإنه شبه ما عرض لأبصارهم بحال السكران، كأنها جرت مجرى السكران لعدم تحصيله. وقد قيل: إنه بالتخفيف من سكر الشراب، وبالتشديد أخذت، ذكرهما الماوردي.
وقال النحاس: والمعروف من قراءة مجاهد والحسن {سكرت} بالتخفيف. قال الحسن: أي سحرت. وحكى أبو عبيد عن أبى عبيدة أنه يقال: سكرت أبصارهم إذا غشيها سمادير حتى لا يبصروا.
وقال الفراء: من قرأ {سكرت} أخذه من سكور الريح. قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة. والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى، قال: هو من السكر في الشراب. وهذا قول حسن، أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله. وسكور الريح سكونها وفتورها، فهو يرجع إلى معنى التحيير.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16)}
لما ذكر كفر الكافرين وعجز أصنامهم ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته. والبروج: القصور والمنازل. قال ابن عباس: أي جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر، أي منازلهما. وأسماء هذه البروج: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدى، والدلو، والحوت. والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب. وقالوا: الفلك اثنا عشر برجا، كل برج ميلان ونصف. واصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها. وقد تقدم هذا المعنى في النساء.
وقال الحسن وقتادة: البروج النجوم، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها.
وقيل: الكواكب العظام، قال أبو صالح، يعني السبعة السيارة.
وقال قوم: {بُرُوجاً}، أي قصورا وبيوتا فيها الحرس، خلقها الله في السماء. فالله أعلم. {وَزَيَّنَّاها} يعني السماء، كما قال في سورة الملك: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ}. {لِلنَّاظِرِينَ} للمعتبرين والمتفكرين.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17)}
أي مرجوم. والرجم الرمي بالحجارة.
وقيل: الرجم اللعن والطرد. وقد تقدم.
وقال الكسائي: كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتم. وزعم الكلبي أن السموات كلها لم تحفظ من الشياطين إلى زمن عيسى، فلما بعث الله تعالى عيسى حفظ منها ثلاث سموات إلى مبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحفظ جميعها بعد بعثه وحرست منهم بالشهب. وقاله ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن عباس: وقد كانت الشياطين لا يحجبون عن السماء، فكانوا يدخلونها ويلقون أخبارها على الكهنة، فيزيدون عليها تسعا فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل، فإذا رأوا شيئا مما قالوه صدقوهم فيما جاءوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعوا من السموات كلها، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمى بشهاب، على ما يأتي.

.تفسير الآية رقم (18):

{إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18)}
أي لكن من استرق السمع، أي الخطفة اليسيرة، فهو استثناء منقطع. وقيل، هو متصل، أي إلا ممن استرق السمع. أي حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحى، وغيره، إلا من استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى الوحى، فأما الوحى فلا تسمع منه شيئا، لقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}. وإذا استمع الشياطين إلى شيء ليس بوحي فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين، ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو تخبلهم، ذكره الحسن وابن عباس. قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} أتبعه: أدركه ولحقه. وشهاب: كوكب مضيء. وكذلك شهاب ثاقب. وقوله: {بِشِهابٍ قَبَسٍ} بشعلة نار في رأس عود، قاله ابن عزيز.
وقال ذو الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفرية ** مسوم في سواد الليل منقضب

وسمي الكوكب شهابا لبريقه، بشبه النار.
وقيل: شهاب لشعلة من نار، قبس لأهل الأرض، فتحرقهم ولا تعود إذا أحرقت كما إذا أحرقت النار لم تعد، بخلاف الكوكب فإنه إذا أحرق عاد إلى مكانه. قال ابن عباس: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع فينفرد المارد منها فيعلو، فيرمى بالشهاب فيصيب جبهته أو أنفه أو ما شاء الله فيلتهب، فيأتي أصحابه وهو يلتهب فيقول: إنه كان من الام كذا وكذا، فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة فيزيدون عليها تسعا، فيحدثون بها أهل الأرض، الكلمة حق والتسع باطل. فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان، صدقوهم بكل ما جاءوا به من كذبهم. وسيأتي هذا المعنى مرفوعا في سورة {سبأ} إن شاء الله تعالى. واختلف في الشهاب هل يقتل أم لا. فقال ابن عباس: الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل.
وقال الحسن وطائفة: يقتل، فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان: أحدهما- أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، ولذلك انقطعت الكهانة. والثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه، ولو لم يصل لانقطع الاستراق وانقطع الإحراق، ذكره الماوردي قلت والقول الأول أصح على ما يأتي بيانه في الصافات. واختلف هل كان رمى بالشهب قبل المبعث؟ فقال الأكثرون نعم.
وقيل: لا، وإنما ذلك بعد المبعث. وسيأتي بيان هذه المسألة في سورة الجن (1) إن شاء الله تعالى. وفى الصافات أيضا. قال الزجاج: والرمي بالشهب من آيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما حدث بعد مولده، لان الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم، ولم يشبهوا الشيء السريع به كما شبهوا بالبرق وبالسيل. ولا يبعد أن يقال: انقضاض الكواكب كان في قديم الزمان ولكنه لم يكن رجوما للشياطين، ثم صار رجوما حين ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال العلماء: نحن نرى انقضاض الكواكب، فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان. ويجوز أن يقال: يرمون بشعلة من نار من الهوى فيخيل إلينا أنه نجم سرى. والشهاب في اللغة النار الساطعة.
وذكر أبو داود عن عامر الشعبي قال: لما بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجمت الشياطين بنجوم لم تكن ترجم بها قبل، فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفي فقالوا: إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم. فقال لهم- وكان رجلا أعمى-: لا تعجلوا، وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهي من حدث. فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف، فقالوا: هذا من حدث. فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.